هـل تنبأ الكتاب المقدس عـن نبي آخر يأتي بعـد المسيح؟.
(الجزء الاول)
تكرّر كثيرًا في الأيام الأخيرة فى الميديا استخدام آيات من الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد على أنها نبوات تدلّ على نبوّة نبي يأتي بعد المسيح! وتزعم أنَّ هذه النبوات يعرفها الرهبان والقسوس كما يعرفون أبناءهم وأنَّهم يخفونها ويكتمون الحق ابتغاء لمكاسب دنيويّة وقتيّة زائلة!! وتُصوّر هذه الأفلام والمسلسلات الكثير من الرهبان والقسوس وهم يهرولون مسرعين في تلبية دعوة هذا الداعي، الذي يجدونه مكتوبـًا عندهم في التوراة والإنجيل!!
ولكن ما جاء في هذه الأفلام والمسلسلات لم يأت من فراغ فأن هناك عشرات بلّ مئات المجلّدات والكتب، القديمة والحديثة، والعشرات من المواقع على الإنترنت، التي كتبت ولا تزال تكتب في هذا الموضوع وتشير إلى عشراث الآيات والنصوص من الكتاب المقدّس بعهديه، القديم والجديد، على أنّها نبوات عن نبي يأتي بعد المسيح، وتفسّرها بمفهوم يختلف عن مفهوم الكتاب المقدس وتستنطقها بما ليس فيها وتطلب منها أن تقول ما لا تعلم عنه شيئًا!! بل وتحذف منها بعض كلمات جوهريّة و تُضيف إليها كلمات وعبارات غير موجودة فيها!! و تأخذها بالشبهات!! سواء من جهة الأسماء أو الصفات أو من جهه المواقع الجغرافية!!مما لا يتفق تفسيرها مع منطق الكتاب المقدّس ولا مع مضمونه ومحتواه وجوهره
وسنقوم بشرح آيات الكتاب المقدّس الذي هو كتابنا نحن بمبدأ :
"وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (النحل43).
باعتبارنا أهل الذكر الذي يجب الرجوع إلينا فيما يختص بآيات كتابنا المقدّس، وأيضا"
مُسْتَعِدِّينَ دَائِماً لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ بِوَدَاعَةٍ" (1بطرس3/15).
وفي أحيان كثيرة يرجع هؤلاء الزاعمون إلى لغات الكتاب المقدّس الأصلية، العبرانيّة واليونانيّة، لا ليستشهدوا بمعناها ومغزاها اللغويّ، بل يؤوّلونها ويفسّرونها حسب ظاهرها، بما يخدم أغراضهم، وليس بحسب جوهرها ومعناها الحقيقي!! في الوقت الذي يدّعون فيه أنَّ الكتاب المقدس، هو كتاب محرّف ولا يجوز الاعتماد عليه، كما يقولون أيضًا أنَّه نُسخ وأُلْغي بما جاء بعده!!
وعندما نسألهم لماذا تستشهدون بنصوص كتاب لا تؤمنون به وتدّعون أنّه مُحَرّف ومنسوخ؟! تكون الإجابة هي: أنه ما يزال يحتوي في داخله على بعض الحق برغم ما وقع به من تحريف!! قال أحدهم " ليس ثمّة من يقول بأن جميع ما في الأديان السابقة مُحَرّف، بلّ أن من المتفق عليه بين المسلمين وقوع التحريف في بعضها وليس في كلها. لذلك فأن ما صدقته النصوص الشرعية الإسلامية – قرآنا وسنة - مما في الكتب السابقة محكوم بالصحة وعدم تطرق التحريف إليه ". (سوف نتناول هذا الموضوع فيما بعد.)
" وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُمبِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ "(المائدة46).
جميع نبوات العهد القديم عن المسيح المنتظر وتمّت جميعها في شخص وعمل الرب يسوع المسيح تفصيلاً وبكلّ دقّة، و[b]لم يتنبأ الكتاب مطلقـًا عن أي شخص آخر يأتي بعد المسيح. وقبل الدخول في هذه الدراسة نسأل الأسئلة التالية: ما هي هذه النبوات التي استشهد بها هؤلاء الكتّاب الذين قالوا أنَّها تتنبأ عن نبي آخر يأتي بعد المسيح؟ وكيف فسّروها؟ وهل تتضمن هذه النبوات، في محتواها وجوهرها، ما يفيد الحديث عن نبي آخر يأتي بعد المسيح من خارج بني إسرائيل، سواء بلفظ
" النبي الأمي " أي الذي لا يعرف القراءة والكتابة، أو " النبي الأممي " أى الذي من خارج بني إسرائيل؟. 1- شيلوه في الكتاب المقدس وتفاسيره:أعطى الله إبراهيم الوعد وقطع معه عهدًا أنْ تتبارك فيه وبنسله جميع قبائل وأمم وشعوب الأرض. وأكّد له الله أنَّ الوعد هو بإسحق، ابن الموعد، وأنَّ عهده سيقيمه مع إسحق، ومن ابني إسحق، عيسو ويعقوب، اختار الله يعقوب ووعده أيضًا أنَّ بنسله تتبارك جميع أمم الأرض، ومن بين أبناء يعقوب الإثني عشر إختار الله يهوذا ليأتي منه هذا النسل الموعود والفادي المنتظر، فتنبّأ يعقوب وهو علي فراش الموت عن مستقبل أولاده الإثنى عشر، ولمّا جاء دور يهوذا قال بالروح
" يَهُوذَا إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ. يَدُكَ عَلَى قَفَا أَعْدَائِكَ. يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ. يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ. مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ابْنِي. جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ؟ لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ" (تكوين49/8-10)
و
" شيلوه" حرفيًا هو " שִׁילוה - شيلوه" ومعناها " الذي له "، أي الذي سيكون له الصولجان وخضوع شعوب كقول النبوّة "
وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ " وهذا ما أشار إليه الروح القدس فى سفر حزقيال النبيّ قائلاً "
مُنْقَلِباً مُنْقَلِباً مُنْقَلِباً أَجْعَلُهُ. هَذَا أَيْضاً لاَ يَكُونُ حَتَّى يَأْتِيَ الَّذِي لَهُ الْحُكْمُ فَأُعْطِيَهُ إِيَّاهُ " (حزقيال21/27).ولكي نفهم هذه النبوة جيدًا يجب أنْ نضع في اعتبارنا النقاط التالية:
1-
أنَّ النبوّة أصلاً ليهوذا وعن مستقبل يهوذا وأنَّ هذا الآتي هو من سبط يهوذا، وذلك حسب تسلسل النبوّة من إبراهيم إلى إسحق إلى يعقوب إلى يهوذا وبعد ذلك إلى داود، وحسب مضمون النبوّة نفسها، فالحديث كله منصب على يهوذا والبركة الآتية من يهوذا.
2-
أن النبوّة لم تقل قط، ولم تشر من قريب أو من بعيد أن شيلوه هذا سيكون من خارج يهوذا أو من خارج بني إسرائيل، بل أنَّ النبوّة عن يهوذا وليهوذا ومن ثمّ فلابدّ أنْ يأتي من يهوذا. وهذا واضح في نبوّة إشعياء النبي الفائل "
وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْداً" (أشعيا11/10)، ويسي هو أبو داود النبي (متّي1/6)، فالآتي إذًا من نسل داود الذي هو من سط يهوذا. والذي تنبأ عنه إشعياء النبي أيضًا قائلاً "
لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ، لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا " (أشعيا9/6،7)، والذي قال عنه الملاك للعذراء القدّيسة مريم عندما بشّرها بميلاده "
وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ اِبْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هَذَا يَكُونُ عَظِيماً وَاِبْنَ اَلْعَلِيِّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ اَلرَّبُّ اِلإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى اَلأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ " (لوقا1/31-33). 3-
أن زوال الصولجان من يهوذا مرتبط بمجيء شيلوه، الذي له الصولجان، فهذا الصولجان لن يزول إلا بعد مجيء شيلوه، أي يأتي شيلوه أولاً، ثمّ بعد ذلك يزول الحكم والصولجان من يهوذا وليس العكس " لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ " ( من له الصولجان ).
4-
كما أن كلمة " قضيب " أو " صولجان " كانت تعني في فكر العلماء ( الربّيّون ) اليهود " الهوية السبطية " أو " العصا السبطية "لأسباط إسرائيل الأثنى عشر، وقد ارتبطت الهوية السبطية في أذهانهم بأنّها حقهم في تطبيق وفرض الشريعة
5-
كما فهم اليهود في كل عصورهم، قبل المسيح وفي أثناء وجوده على الأرض، بالجسد، وبعد ذلك وسجلوا ذلك في أهم كتبهم، أنَّ " كلمة שִׁילוה – شيلوه" هي مصطلح خاص بالمسيح الآتي والمنتظر( المسيّا). وأنَّ مجيء شيلوه أو المسيا سيكون قبل زوال الحكم من سبط يهوذا مباشرة.
(1) يقول ترجوم أونكيلوس(2) Targum Onkelos أن " انتقال الحكم من يهوذا لن يتوقف من بيت يهوذا ولا الكاتب من أبناء أبنائهمحتّي يأتي المسيّا "(3).
(2) وجاء فى سيودو يوناثان Pseudo Jonathan(4) " الملك والحكام لن يتوقفوا من بيت يهوذا .... حتّي يأتي الملك المسيّا".(5).
(3) ويقول ترجوم Yerushalymi " لن يتوقف الملوك من بيت يهوذا... حتّي مجئ الملك المسيّا... الذي ستخضع له كل سيادات الأرض"(6).
(4) وجاء فى التلمود البابليّ ( Sanhedrin 98b)؛ قال Johanan " لقد خُلق العالم لأجل المسيّا، فما هو اسم المسيّا؟ تقوم مدرسة الرابّي شيلا ( Rabbi Shila ) اسمه شيلوه لأنه مكتوب " حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ "(7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[size=12](2) ترجوم كلمة آرامية من الأصل الفارسي " تورجمان" وهي تعنى " ترجم". ويُطلق هذا المصطلح علي الترجمات الآرامية للكتا المقدّس. وقد وُضعت هذه الترجمات في الفترة الواقعة بين أوائل القرن الثاني وأواخر القرن الخامس قبل الميلاد. وقد أصبحت مثل هذه الترجمات أمرًا مهمًا وحيويًا بالنسبة إلي اليهود، نظرًا لأن الآرامية حلّت محل العبرية بعد التهجير ( السبي ) البابلي. فمنذ أيام عزرا، كانت تُضاف ترجمة آرامية بعد قراءه أجزاء من العهد القديم، وقد صار هذا تقليدًا ثابتًا. ومن أشهر الترجمات الآرامية للكتاب المقدّس: ترجوم أونكيلوس لاأسفار موسى الخمسة وحدها، وترجوم يوناثان لبقية أسفار العهد القديم" ( اليهود و اليهودية والصهيونية د .عبد الوهاب المسيري ج5).
(3) Chuck Missler, The Creator Beyond Time and Space, Until Shiloh Come.
سيودوإبيجرفيا اليونانية، وتعنى المنسوبة خطأ لغير مؤلفه. (Pseudepigrapha) (4) كلمة سودو من
(5) Chuck Missler, The Creator Beyond Time and Space, Until Shiloh Come.
(6) Ibid.
(7) Ibid. & Jerusalem Talmud, Sanhedrin, filoi 24,
(5) ويقول رابّي راشي RaShi إلى أن يأتي المسيا، الذي سيُعْطَى له كل الملك، فأنَّ كلّ الشعوب ستترجّي قدومه (
.
(6) ويقول مدراش(9) راباه 97 Midrash Rabbah في تعليقه علي هذه النبوّة