كيف خّلُصْ مارون ؟!!
لمدة تزيد عن 22 سنة ، ولثلاث مرات أسبوعياً ، ظل عم "طانيوس" يصعد إلى بيت أخيه ، ليوجه دعوة لأبناءه الستة للدخول من باب النعمة المفتوح على مصارعيه ليلاً ونهاراً أمام أشر الخطاة ، وللتمتع بالخلاص العظيم المجاني الذي يقدمه الرب يسوع المسيح للجميع على أساس موته الكفاري على الصليب.
وفي هذه الليلة ، حاول الشيطان أن يثنى عم "طانيوس" عن عزمه ، موجهاً إليه واحدة من سهامه الملتهبة ، سهم اليأس والقنوط ، هامساً في أذنيه : "لا فائدة ... لا تعب نفسك ... إن أبناء أخيك يزدادون زيغاناً ويتهاناً ، وشراسة وعنفاً ، وشراً وفساداً ، وخاصة "مارون" الذي وصل إلى أقصى درجات الضلال والشر ، وصار يفعل كل الخطايا بكل سرور وسهولة ، وتأصلت فيه الشرور حتى صارت جزءاً منه ، وصار يروع الكل من حوله بتجاوزاته ومشكلاته ، وصار فظاً قاسياً . إنه يستمع إلى كلمات الإنجيل وهو يضحك ويمزح غير عابئ بوعدٍ أو وعيدٍ.
ولكن لأن الكتاب المقدس لايقول ناقشوا إبليس ، بل "قاوموا إبليس فيهرب منكم . اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم " (يع 7:4 و
، قال عم "طانيوس" لنفسه : "إن خلاص اللص التائب على الصليب يوجه دعوة لأن نقدم بشارة الإنجيل لأن شخص ول كان على حافة الموت ، ومهما كانت الخطايا ، مهما ارتفعت جبالاً فوق التصور والخيال ، فإنه "حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً" (رو 20:5) ، "ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" (1يو 7:1) ، وإنني إن لم استطع أن أقدم لخاطئ أوغل في الشر والإثم والنجاسة، خلاصاً كاملاً ومفرحاً ومبهجاً ، فأنا لا أعرف على الإطلاق خلاص الله الحقيقي ... أنا عالم بمن آمنت ...
وركع عم "طانيوس" بجوار سريره مؤمناً أن ثمر التقوى والصلوات المستمرة لابد أن يُستجاب ، مُصليا وطالباً من الله أن يجعل أمامه في هذه الليلة باباً مفتوحاً وأن يقبل ويذهب معه .
وعندما وصل إلى بيت أخيه ، لم يجد عم "طانيوس" في المنزل سوى "مارون" الذي حاول أن يوصد أذنيه حتى لا يسمع الفصل الكتابي الذي يقرأه عمه ، ولكن وصلت إلى مسامعه جمله "كان إنسان غنى .... له خمسة أخوة ... مات ودفن" ،فتساءل في نفسه : عمن يتكلم عمه ؟ إنه هو أيضاً ذا أموال كثيرة ن وهو أيضاً له خمسة أخوة ... لينصت إذاً ليرى مصير هذا الشخص الذي يشابهه .
وبصوت متهوج ، وبنبرة جادة ، وبعيون دامعة ، وبوجه ملء بالمحبة والعطف ن انسابت الكلمات من فم الأخ "طانيوس".
مارون .... هذه قصة تدور حول رجل غني متنعم ، ورجل آخر مسكين محتاج ، مات كلاهما ، فذهب أحدهما إلى السماء والآخر إلى العذاب ... إن بين الحياة والموت لحظة . وفي هذه اللحظة يدخل الإنسان عالم آخر ، إما أن يمضي إلى الفردوس على رجاء ، وإما أن يمضي إلى الفردوس على رجاء ، وإما أن يمضي إلى العذاب بدون رجاء .
مارون ... إن هذه القصة التي نطق بها المنزه عن الكذب ن تثبت أن تاريخنا لاينتهي بالموت ، مات الغنى فهل كف عن الوجود ؟ كلا لقد كان مستيقظاً تمام اليقظة ، وكان "لعازر" المسكين "يتعزى" أي أنه هو ايضاً كان مستيقظاً . إن الغنى لم يتلاشى بعد موته ، بنفس القدر الذي يتلاشى فيه لعازر الفقير ... كان أحدهما يتعزى والآخر يتعذب ... فهناك – يقيناً – حياة بعد الموت ، وبعد لحظة واحدة من الموت يكون الإنسان مستيقظاً ، إما في العذاب أو في النعيم والهناء .
والرجل الغني ، بعد الموت ، وجد نفسه في مكان اللهيب يتعذب .. وهو رأى وشعر ... ونادى ... وترجىَّ ... وسمع ... وتذكر ( لو 23:16 – 25) ، نعم ، لقد كان مستيقظاً تمام اليقظة ... ولكن واأسفاه على حياة هالكة سيقضيها في العذاب إلى الأبد .. الحسرة تعتصره ولا مفر منها ... ولسانه يلتهب من ضمير مضطرم بالعذاب ، وفي هذا الجب الملتهب سيظل يصرخ هل من خلاص ، هل من نجاة ؟ ... ولا أمل في خلاص أو في نجاة ... لقد أصبحت قطرة ماء على طرف أصبع أمنية صعبة المنال في عذاب اللهيب هذا ... آه ، لقد مضى الوقت وانتهى زمان النجاة ، فليتجرع إذن كأس الغضب إلى الأبد .... لقد ثم أذنيه لكي لا يسمع ... رفض الله ولم يسمع دعوته له بالتوبة والإيمان ، والآن ها قد رفضه الله إلى الأبد ... فلا توجد فرصة ثانية للخلاص بعد الموت "هوة عظيمة قد أثبتت ... لايقدرون ... ولا الذين من هناك ... يجتازون" (ع 26) / فالمصير وراء القبر إذن مصير ثابت ودائم ، ولقد قال الرب للخطاة "حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا" (يو 21:
... إن عمل الرب على الصليب قد وفى كل شئ (عب 3:1 ؛ 14:9 ؛ يو 7:1) ولماذا توجد فرصة ثانية لأولئك الذين سمعوا الإنجيل في حياتهم؟ ( 2 كو 2:6 ؛ عب 7:3).
لايستطيع الله أن يشفق على الخاطئ بعد موته ، لن تفيده صلوات جميع القديسين لن يفارق مكانه ، ولن تجدى صرخاته ، ولتهدأ نيرانه ... بل إنه ينتظر ساعة رهيبة أخرى عندما يقف مع بقية الأشرار الأموات أمام العرش العظيم الأبيض لكي يدان بحسب أعماله ويسمع قضاءه من رب القضاء العادل ليطرح في بحيرة النار ليعذب نهاراً وليلاً إلى أبد الآبدين (رؤ 11:20-15) حيث هناك سيكون البكاء وصرير الأسنان
(مت 24:13 ؛ 13:22 ؛ 51:24 ؛ 30:25 و 46 : مر 43:9 – 48) .
مارون ... إياك أن تتصور أنه لايوجد جحيم أو هاوية ... لقد تكلَّم الرب الذي لايمكن أن يكذب عن الهاوية وعن الجحيم حيث مكان العذاب والألم ، مكان البكاء والعويل، مكان الشقاء والندم ، وذكرى الماضي واسترجاع الضمير لرفض الإنجيل سيجعل في الخاطئ ناراً أشد من النار التي فيها يقيم في بحيرة النار والكبريت ...
مارون ... يا ابني يا أبني ... لماذا تمضي إلى الأبدية بدون رجاء ؟! اهرب إلى المسيح واحتمي في دمه المسفوك لأجلك ... تعال إليه معترفاً له بخطاياك .. ومهما كان بعدك في الشر ويتهانك عن الله ، ومهما كانت المخاوف التي تملأ قلبك ، قم ارجع الآن فغن الآب المحب يتوق لرجوعك ليغمرك بمحبته ويغنيك بعطايا نعمته ... تعال يامارون، إن المسيح الذي ذُبح من أجلك يمد يديه إليك قائلاً "مَنْ يُبل إلى لا أُخرجه خارجاً" (يو 37:6)
ولم يعرف "مارون" متى غادر عمه المنزل ، ولا كم من الوقت ظلَّ فيه ساهماً واجماً يفكر فيما قد سمعه . وعندما اضطر للخروج من المنزل لشراء بعض حاجياته ، شعر لأول مرة بالخوف والرعب ... خاف أن تصطدمه سيارة في الطريق ويمضي إلى موضع العذاب قبل أن يتعرف على المسيح ؛ مخلصه وفاديه . فعاد مسرعاً إلى المنزل واتصل بالتليفون بعمه ليسأل عن مكان هذه القصة ؛ قصة "الغنى .... الذي له خمسة أخوة ".
- لماذا يامارون ؟
- أريد أن أقرأها بنفسي مرة ثانية ياعمي .
- إنها موجودة في إنجيل لوقا 19:16-31
وعندما وضع الأخ "طانيوس" سماعة التليفون ، انسابت دموع الفرح من عينيه وقال لزوجته الأخت "سعاد" :
- سعاد ... إن الروح القدس يجاهد مع مارون ليولد من جديد وليصبح خليقة جديدة في المسيح ....
وركعا معاً ليصليا لكي يتمم الرب مابدأه في حياة مارون .
أحبائي .. لقد وُلد مارون من الله في هذه الليلة ، وبالروعة نعمة إلهنا !! لقد استخدمه الرب لربح أخوته الخمسة للمسيح .